book

حضارة بابل وآشور

كان غوستاف لو بون مؤرخاً قبل أن يكون فيلسوفاً. بل هو قد صار فيلسوفاً لأنه كان مؤرخاً. وعنايته بدراسة الأمم القديمة هي عناية المؤرخ العالمي الذي يحاول أن يكتب التاريخ باعتباره تاريخ الحضارة والتطور الاجتماعي وارتقاء الفنون، وليس تاريخ الحروب والأمراء والنوادر عن أبهة هذا الملك أو كرم ذلك الأمير. ونحن في هذا الكتاب نقرأ وصفاً للدرجات الأولى في سلَّم الرقي البشري كما كانت ممثلة في حضارتي بابل وآشور. وقيمة غوستاف لو بون هنا أنه جمع مقداراً عظيماً، بل عظيماً جداً، من المعارف التاريخية عن هاتين الأمتين القديمتين واللتين تناوبتا التاريخ وأضاءتاه قرونا عديدة بألوان من ثقافتهما الفنية. وهو يسرد لنا قصة هذه الحضارات، ويتدرج بنا من البدايات المتواضعة، فيتناول العقائد الدينية ووصف المعابد، ثم يتدرج إلى ترف الملوك وارتقاء الفنون بما يكشف لنا عن صفحات مجهولة من التاريخ. وهي جميعها تلصق بنا لأننا أبناء هذه الأمم وأحق البشر بدرسها. وكان يجب أن تتفشى بيننا المؤلفات التاريخية في وصف الآشوريين والإيرانيين والممالك السامية العديدة من أرض النهرين إلى تدمر وبطرة. وكان يجب أن تستفيض بيننا المؤلفات عن حضارات الفراعنة المتوالية منذ العصور الحجرية إلى دخول العرب. ولذلك نحن نرحب بظهور هذا الكتاب لأنه يسدّ فراغاً أو بعض الفراغ. ولأنه ليس بقلم مؤرخ، وإنما بقلم فيلسوف، أي بقلم أحسن المؤرخين. ذلك أن التاريخ يجب أن يكتب في استعراض وتحيز، أي أن الكاتب يجب أن يكون له من سرد الحوادث مغزى اجتماعي وهدف فلسفي. وهذا هو ما يفعله غوستاف لو بون.